في الحقيقة أنا قد تعرضت لموقف محزن جداً ومؤثر جداً ولكنه مليء بالعبر والفوائد التي أتمنى من الجميع التعليق عليها وتتركز في أهمية إجاباتنا عن الأسئلة التي يلقي بها صغارنا دون استعداد منا...
الأطفال الصغار الذين لازال بعض إخواننا يسمونهم ( جهال ) ولكنهم في الحقيقة يملكون عقولاً تفكر أكثر منا وحرصاً على معرفة كل جديد...
الموقف هو أنني كنت قد ذهبت لصلاة العصر مع طفلي الذي كان في حوالي الربعة والنصف من العمر وبعد أداء الصلاة ذهبنا للسيارة استعداداً
للذهاب لرؤية والدتي، وفي ما كنت أستعد للمغادرة شاهد ولدي رجلاً كبيراً جداً في العمر وهو يحاول النزول من درج المسجد مستعيناً بعصاه، فسألني ولدي لماذا يمشي ومعه هذه الخشبة ( هكذا أسماها ) قلت له هي تسمى عصا، وهو يمشي بها لأنه رجل كبير في السن، فقال لي ولماذا أصبح كبيراً في السن، قلت له أن الناس عندما يولدون يكونون صغاراً جداً ثم يكبرون ويصبحون مثلك ثم يصبحون مثل عبد العزيز ( أخي الصغير ) ثم يكبرون ويصبحون مثلي ثم مثل بابا عبد الله ثم مثل هذا الكبير يمشون بعصا، فقال لي ( وانت اذا كبرت يا بابا بتمشي بعصا ) قلت له نعم يا ولدي قال وماما ؟ قلت له نعم قال لي وأنا يا بابا ؟ قلت له نعم.
ثم بدأ يبتسم وهو يفكر وقال لي ( بمشي انا وانت وماما كلنا بالعصا )
ولا أدري كيف تناسيت كل ما تعلمته وما قرأته لأرد عليه قائلاً:
( إذا مشيت انت بعصاك يا بابا نكون انا وماما قد متنا من زمان )
فرمقني بنظرة والله إني لن أستطيع وصفها مهما حاولت ومهما كنت بليغاً وأدركت لحظتها حجم المطب الذي وقعت فيه وبدأ يبكي ثم رمى نفسه من مقعد الراكب إلى مقعد السائق وحظنني مع رقبتي بكل قوة وقال لي
( لا تموت يا بابا لا تموت ) عندها أحسست بقلبي يكاد يخرج بين أصابع قدمي، أحسست بغصة شديدة تملأ حلقي وبكيت، نعم بكيت كما لم أبكي من قبل، بكيت بغزارة ورجعت للمنزل وعندما رأتني زوجتي أبكي وولدي لازالت بقايا الدموع تملأ وجهه كادت تقع من الخوف، وعندما سألتني قلت لها ما حدث فبدأت هي كذلك في البكاء...
كم هي جميلة الطفولة، كم تمنيت وأنا أحظن طفلي أن يتوقف الزمان هكذا
أن يبقى صغيراً أقبله والعب معه... كم هي مؤلمة هذه الحياة...
كم هي مؤلمة....
وقد كتبت خاطرة جسدت فيها هذا الموقف أتمنى أن تعجبكم.....
عندما سألتني....
قتلتني....
أخضعتني للحزن دهراً....
وأنا أرفض الخضوعا...
أبكيتني دماً....
ودموعا....
عندما رأيت ذلك الكبير....
يمشي بعصاه....
يواجه المصير....
قد ثقلت خطاه....
سألتني لماذا....
قلت لك....
يا حبيبي....
عندما يولد الناس يكونون صغاراً....
ثم يكبرون....
ثم يمرضون....
ولا يستطيعون....
أن يمشوا إلا بعصاهم....
فقلت لي....
و أنت يا بابا...؟؟
قلت لك.... نعم....
قلت لي.... وماما....؟؟
قلت لك... نعم....
فضحكت كثيرا....
وقلت لي...
سأمشي أنا وأنت وماما بعصانا....
قلت لك...
عندما تصير كبيرا...
نكون قد رقدنا....
بسلامٍ وسكون....
وانتهينا....
من عذابٍ وشجون....
فبكيت كثيرا....
كنت يا طفلي صغيرا....
وقلت لي....
لا تمت يا بابا....!!!!
يا فيصل....
تريد لي الخلود....
فلماذا....!!
كلّ حيٍ سيموتُ....
وسنحيا ونموتُ....
وسيبقى الله ( جلّ الله )....
حيٌ لا يموت....
يا فيصل....
عندما تبلغ الأربعين....
أتسألني الخلود....
أم أنك ستعلم علم اليقين....
بأننا مساكين....
نولد غير مختارين....
ونرحل مجبرين....
يا فيصل....
وعندما تبلغ السبعين....
هل تذكرني....
هل تذكر حبي وحناني....
قبلاتي.... أحضاني....
هل تذكر يوماً....
كنت كياني....
كنت زماني.... كنت مكاني....
هل تذكرني وأنا في قبري...!!
يا فيصل....
عندما أموت....
أتمنى أن لا تنساني....!!
أن تدعو لي ربي ....
كي يرحمني....
م
ن
ق
و
ل